بكم ترقى حروفي

أهلاً وسهلاً بكم أحبتي في مدونتي المتواضعة .. متمنياً لكم وقتاً سعيداً وقراءة رآقية بين ثنايا حروفي المتواضعة
إضغط على[رسائل قديمة ] بأسفل الصفحة للأنتقال بين صفحات المدونة الأخرى

3 مارس 2013



مريض نفسي ..،’


 1


قالت لي ممرضتي
وقد علت وجهها علامات التعجب
بعد أن قرأت البيانات المسجلة على ملفي
الأسم : بدر
الميلاد : 15 / ؟ / ؟؟19
الحالة : مريض نفسي
----------،
هل أنت : مريض نفسي ؟
رغم أن شكلك لا يوحي بهذا!
لحظة من السكوت سرت وقشعريرة احتوت جسدي النحيل
لم أمتلك الإجابة على تساؤلها
لكني وجدت نفسي أتساءل معها
هل أنا فعلاً .. مريضاً نفسياً ؟!

جلست على الأرض أحتضن نفسي
لا أسمع أي صوت حتى صوت ممرضتي
وهي تقلب أوراق الملف وتتفحصه
سوى صوت عصفوراً يغرد بالخارج
على غصن شجرة ميته
تتوسط ساحة الحديقة الخارجية للمبنى
يوحي بالخوف والحزن معاً
استرجعت ذاكرتي للوراء قليلاً
لإياما مضت لكني أتذكرها جيداً
ولا أستطيع أن امحوها من رأسي مهما عملت
رغم أني تحركت مراراً بعيداً عنها
وجربت شتى أصناف وطرق الهروب منها
لكني لم أستطع ان اتفادى صدمة العودة
والتي كانت تأتي بقوة أكبر عما سبقها
صدمة تشعرني كم كنت حالماً حد الثمالة
في واقعاً هو قمة في الخيال

دققت حولي ،’ كانت ممرضتي تستكمل كتابة بعض التفاصيل في ملفي الطبي
استرجعت  ذلك الحلم الذي طالما كان يراودني
عن مدني الحالمة وكواكبي البعيدة
تعمقت في ذاكرتي أكثر
لكنني صحوت  فزعاً عندما اكتشفت في نهايتها
باني أصبحت أحمل مسمى " مريض نفسي "
الجميع من حولي يراني طبيعي حتى ممرضتي
لم تقنعها فكرة مرضي
ألا هي ،’ فأنها اكتشفت أخيراً بأني مريض نفسي
ربما يكون معها حق
فلا أحد يدري ،’ حتى أنا


  

2


هناك اشياء ليس لها معني  قد تشعر بالملل
ومنها بعض الكلمات التي وصفت بها احداثاً
كانت فيما مضى تشعرني بالفرح
كنت أكتبها  دون وعي
ودون ان أستطيع  التوقف عن البوح بها
لأنها كانت تسري في عروقي
تشعرني بنبض الحياة
رغم كل ما كان يحدث لي بعدها
كنت اترك قلمي  يبوح بما في دواخلي
لكني الأن بت  أخاف  أن يوصف ما أكتبه بالجنون
بعد أن بت أسلك أول طرق الجنون
فانا منذ الآن مريض نفسي!
 

3


غادرت ممرضتي الغرفة
نظرت الي ما حولي بين أركان غرفتي
جدرانها البيضاء
الصورة المعلقة في الزاوية
طاولة خشبية دائرية وقلم رصاص يتوسطها
وكوب ماء
ومرآة صغيرة رأيت فيها تفاصيل وجهي
بحثت فيها عن ابتسامتي المفقودة
وتساءلت عن سر غيابها
سمعت همساً خفيفاً يقول لي : وما حاجتك لها
هل نسيت بأنك الآن مريض نفسي

دقات خفيفة أتت من خلف الباب
نظرت ناحيتها ،’ لأرى  ممرضتي تدخل والابتسامة تعلو وجهها
قالت : كيف تشعر ؟
قلت لها : ما حاجتك للابتسامة ؟!
رأيت ملامح التعجب على وجهها
لكنها جاوبتني : وما حاجتك انت لأسمك؟!

ثم توجهت نحو الصورة  المعلقة على الجدار
وقالت : كيف رأيتها ؟
قلت لها : باتت باردة لا حياة فيها
قالت : لماذا ؟
قلت : لأنها تشبهني
هي هنا ، وانا معها  بداخلي
ربما بداخلي الماضي الذي عشته
والحاضر الذي أتى بي أليها
وربما المستقبل الذي سوف يكون بعد أن أشفى من مرضي
قالت : أتذكر تفاصيل الصورة؟
قلت : زهرة الياسمين ؟
قالت : نعم
قلت : نعم اتذكر لحظة التقاط الصورة
وماذا كان يدور في  عقلي في وقتها
وأنا طفل في صورة قديمة لي جنبها
حملتها معي حتى عاشت بقربي صدمة البعث من الماضي
قالت : بماذا تشعر معها؟
قلت : لا أدري
تنتابني افكار بدأت تدور في رأسي عندما رأيتها
ونظرت إليها  بإحساس غريب كأني لم أرها من قبل
ربما الخوف انتابني بعد ان رأيتها على الجدار
وربما  لأني لم أعد أعرف  ما سيحدث لي
قالت لي : سأتركك لحظة وأعود إليك
وغادرت الغرفة بعد أن تركت لي حبة أسبرين
بجانب كوب الماء

4


بدأ الصمت يخيم على المكان
يشاركني غرفتي التي بت أجلس فيها وحدي لوقت رغم قصره أشعر بانه طويل
جلست على المقعد خلف الطاولة
ونظرت للصورة  المعلقة
رأيت فيها ذاك الطفل  الذي تعلق بأشياء من الماضي
كنت أتلهف للحديث معه ،’ وأسمع معه لحن أغنية  كانت تغنيها  لي أمي
عندما  كنت أشعر بالخوف


5


تمنيت ان تكون عندي ورقة  بيضاء
أحكي فيها  واكتب  دون توقف
والكلمات تنهال  من رأسي كما كانت
تتدفق كشلال الماء العذب
لكني وجدت نفسي باتت محبوسة  بداخلي لا تريد الخروج
بعد أن سمعت قلم الرصاص  يبكي
لا يريد  ان يعانق حبره بياض الورق مجدداً
ماذا بات يريد ؟
ربما لأنه كان يتذكر الماضي كانه يراه ، ويحكي
حتى وصل لدرجة الجنون وتعب
لكني لم أستطع منع نفسي من البوح
طلبت من الممرضة ورقة بيضاء
أتت بها ووضعتها على الطاولة
بجانب قلم الرصاص ومضت
بعد ان ودعتني بابتسامة حالمة

  

6 


بعد ان أختفي كل شيء من حولي
اصبت بنوبة من الصمت القاتل
جلست على سريري الأبيض ولا شيء في مخيلتي سوى
عبارة واحدة فقط
" أنت مريض نفسي "
كان السؤال يدور في عقلي مراراً وتكراراً دونما ملل
ماذا فعلت  لأكون في نظرها مريض نفسي
ما الدافع الذي اوصلني  إلى هذا الاعتقاد في نظرها
ومن ثم أتى بي إلى هذا المكان
أسندت رأسي إلى الوسادة
وأغلقت عيني ، تذكرت أغنيتها التي أسمعتني أياها ذات ليلة
استحضرت حلمي معها
فتحت عيني ، ركضت نحو النافذة سريعاً
كأني أشعر بها اتت تواسيني وتعتذر لي على ما قالته لي
لكني وصلت متأخراً ربما
فقد كانت الساحة خالية
سوى من جذت تلك الشجرة اليابسة
رأيت الصورة على الجدار تنظر لي متعجبة لأمري
جلست على الطاولة ، مسكت قلمي
واخذت أرسم  على الورقة البيضاء خطوطاً كثيرة
كل خط كان  بعيداً عن الآخر
  

7


مر الوقت وكنت لا أسمع سوي الصمت وصوت قلم الرصاص
دخلت ممرضتي مبتسمة كعادتها
قالت : اراك ترسم ولكن لماذا هذه الخطوط الكثيرة
ولماذا هي متباعدة ؟
قلت لها : هي سنوات عمري وعمرها
صمتت ، ثم قالت : كيف تراها الآن؟
قلت : أبعد من كواكبنا البعيدة القابعة خلف الظلام
قالت : وكيف ترى نفسك بعدها ؟
قلت : بت أقرب من نفسي أكثر مما سبق
رأيت أبتسامه فرح صافية ترتسم على وجهها
كأنها كانت الاجابة التي تبحث عنها
ثم مشت قليلاً ، تقدمت نحو الصورة المعلقة على الجدار
وقالت : هناك أحداث ، ربما تكون بمثابة صدمة
تحطم ما في قلوبنا وترجعنا مراحل للوراء
تغيرنا وتترك في أنفسنا عقد لا تُحل
والخوف يملئنا من أشياء كنا نشعر معها بالأمان
بعد مرحلة صعبة قد تتسم بالخيال والخروج عن الواقع
ويأتي النور بعدها ، عندما ننجح في السيطرة على عقلنا
والهروب إلى عالم ليس له صلة بالحلم
يعيدنا للواقع الحقيقي لأرواحنا
ويرجع لنا أنفسنا

قلت لها : نعم
فهناك أشياء كثيرة تسيطر علينا
نتركها تحركنا يميناً وشمالاً
نرى أشخاصاً يتكلمون معنا
يريدون أن يكونوا بجانبنا
يحملونا إلى عالم الحب بعفوية مطلقة
يغازلون أرواحنا
يظهرون في حياتنا فجأة ويختفون
نعيش معهم ونحلم في غيابهم
دون أن نميز هل هم واقع أم خيال
ينسجه عقلنا  في لحظة اللاوعي
التي تسيطر على كافة أركان دواخلنا

قالت : هو كذلك
ولكن .. ينبغي بعد أن نعيش صدمة الحقيقة
أن نعي أين يكون المخرج فنسلكه
وان نميز جيداً ما بين أصوات  القلوب الحقيقية
وأصوات القلوب التي تعيش واقع الخيال
وتوهمنا بقربها منا واهتمامها بنا

أبتسمت كعادتها منذ أول يوم قابلتها فيه
وواصلت الحديث ، قائلة :
حان الوقت لتنسى  كل هذا الخيال
حرر الشخص الذي بداخلك
والذي بات يريد الخروج منطلقاً
يعيش الواقع القديم الذي كان
وغير حياتك بأكملها
وأستفيد من أحداثها
فلكل حدثٍ أثره

  

8


نظرت إلى الباب
قالت لي : هذه الغرفة فيها باب خشبي
أنظر إليه وللمسافة التي تفصلك عنه
ان أردت أفتحه وانطلق كأنك مولوداً جديد
او أقبع هنا وانظر من خلف النافذة نحو الشمس والحديقة والعصفور
ومضت ، تحمل ملفي الطبي
تركتني  وأغلقت الباب خلفها
تفحصت الجدار جيداً بعدها
فَتَّشْتُ عن نفسي خلف النافذة المطلة على الحديقة
فأرجعني السؤال إلى الوراءْ
هل أنا فعلاً مريض نفسي مثلما قيل لي ؟
أم كما قالت ممرضتي بانهم يتوهمون مرضي؟
لا شيء يجيبني داخل الغرفة ، جميعهم سيطر الصمت عليهم
فتشت عن نفسي مجدداً خلف الشمس
المطلة على الارض
سألتها : هل أنا مريض نفسي؟
قالت : سلاماً لك وسلاماً للذين أضيئهم بنوري
ثم مضت
وارجعني السؤال إلى نفسي
هل أنا مريض نفسي ؟
فأين أذهب أين أذهبْ ؟
عشرات الكلمات ملئت مخيلتي
أن كان الحب بصدق مرضاً نفسياً
والحلم والخيال مرضاً نفسياً
والشوق والحنين مرضاً نفسياً
واهتمامي بها مرضاً نفسياً
وبوحي عن حاجتي إليها مرضاً نفسياً
فانا بكل تأكيد ، مريضاً نفسياً
لكن ليس لأن بي لوثة عقلية أذهبت بعض عقلي
أو أدخلتني دوامة الشعور النفسي والمرض
كلا،’
بل أنا مريض نفسي لأني سمحت لنفسي
بان تختزل بعض سنوات عمري وتمنحها
لمن في نهاية المطاف وقفت على تلة عالية
أوصلتها لها
وصرخت بأعلى صوتها : أنت مريض نفسي
رغم كل ما كنت أفعله لها


9


حملت أوراقي التي بقت بيضاء وقلم الرصاص
وتركت الصورة خلفي على الجدار معلقة
فتحت الباب وانطلقت نحو الربيع بقلباً أخر وروحاً أخرى
وفكراً واعياً ناضجاً أكثر
نعم كنت مريضاً نفسياً لكني اليوم أبدأ طريقاً أخرى
وميلاداً جديداً سأحذف فيه من جانب أسمي
حرفاً طالما رافقني في وقتا منحته له
لكني تأكدت الآن بانه لا يستحقه
لا يستحقه أبداً
فصاحبته لا تحمل لقب " مريض نفسي " في نظري
أما انا فمريض نفسي في نظرها
سأرمي تلك الرواية الخيالية التي صاحبتني
منذ زمنِ ، لرجل أحب بصدق
على أول قارعة الطريق
بعد أن ضاع الطريق ولم يعد إلى النجوم سالكا
وأرسم الطريق مجدداً بلوناً آخر
بعد ان تركتها ترسم الطريق بلون أبيض  خادع بين البداية و النهاية
ولم يبقى من كل ما مضى
سوى سلاماً  أسجله في
ملف رجل مريض نفسي
أودعه ذاكرتها
للذين كنت أحبهم عبثاً
كالهواء.